-A +A
محمد السنان
تعـتبر الموسـيقى من أهم العـلوم التي ارتبطت بحياة الإنسان في كل نواحي الحياة، لـدرجة أنها أصبحت جـزءا من تكوينـه وأصبحت عنصـرا هاما في مناهج التربيـة بالنسـبة للشـعـوب المتحضـرة.
ولفلاسـفـة اليـونـان الفضـل الأول فـي إثبـات أن الموسـيقى وسـيلـة فعـالـة فـي تربيـة النفس وتهـذيب الطبــاع.. وقد اتخذ اليونان من الموسيقى مادة أساسية في منهج التعليم، وكانت وسائل التربية لديهم لا تتعدى الموسيقى والرياضة البدنية حتى عصر الاسكندر. كما انهم اعتبروها أداة من أدوات التربية قبل أن تكون فنا جميلا يبتغى لذاته، فقد جعل أفلاطون للدولة حق الإشراف على الموسيقى لما لها من تأثير في تكوين الشخصية المتزنة المتناسقة، وكذا في تنمية ملكة الخلق والابتكار، ولقد تأثرت الحضارة الأوروبية بالتربية اليونانية في العصور الوسطى تأثرا انعـكس على كل فنـونها وثقافاتها.
وفي عصر النهضة، كانت الموسيقى قد حظيت باهتمام بالغ بسبب اهتمام أوروبا في ذلك الوقت بإحياء المثل اليونانية القديمة، وفي القرن الثامن عشر والتاسع عشر، عمل كثير من المفكرين والمربين على دفع الحياة الإنسانية إلى آفاق أسمى وأفضل، وكان جان جاك روسو من أوائل المربين الذين اهتموا بالبحث في أنواع الموسيقى المناسبة للتربية في المراحل المختلفة وإتاحة الفرصة لكل طفل أن يمارس التعبير الذاتي بالأصوات الموسيقية وباستخدام أنواع معينة من الغناء الشعبي لما فيه من أصالة كما أشار إلى تبسيط طرق التعليم حتى يستفيد النشء ويتقنه وتنمو ملكاته الفنية، وهكذا نرى أن الموسيقى على مر العصور القديمة والوسطى والحديثة، كانت لها مكانتها كأداة ووسيلة من وسائل التربية،
يقـول الإمام أبو حامـد الغـزالي في كتاب إحياء علـوم الدين، لله تعالى سـر في مناسـبة النغمـات الموزونـة للأرواح حـتى إنها لتؤثر فيها تأثيرا عجيبـا، من الأصـوات ما يفـرح، ومنها ما يحـزن، ومنها ما ينـوم، ومنها ما يضحـك ويطـرب ومنها ما يسـتخـرج من الأعضـاء حـركات عـلى وزنها باليـد والرجـل والرأس، ولا ينبغـي أن يظن أن ذلك لفهم معـاني الشـعـر، بل هـذا جـار في الأوتـار حتى قيل من لم يحـركـه الربيـع وأزهاره والعـود وأوتاره فهـو فاسـد المزاج ليس لـه عـلاج، وكيف يكـون ذلك لفهم المعـنى وتأثيره مشـاهـد الصـبي في مهـده فإنـه يسـكته الصـوت الطيب عـن بكائه، وتنصـرف نفسـه عما يبكيه إلى الإصـغـاء إليـه، والجمـل مع بلادة طبعـه يتأثر بالحـداء تأثرا يسـتخف معـه الأحمـال الثقيلـة، ويسـتقصر لقـوة نشاطـه في سـماعـه المسـافات الطويلـة، وينبعث فيـه من النشاط ما يسـكره ويولهه. فـتراها إذا طالت عليها البوادي، واعـتراها الإعيـاء والكلال، تحـت المحامل والأحمـال، إذا سـمعت منادي الحـداء تمـد أعـناقها وتصـغي إلى الحـادي ناصـبة آذانها، وتسـرع في سـيرها حـتى تتزعـزع عـليها أحمالها ومحاملها، وربما تتلف أنفسها من شـدة السـير، وثقـل الحمـل، وهـي لا تشـعـر به لنشاطها.
لذا، فإذا ما اراد أي مجتمع ان ينتج جيلا خاليا من العقـد الاجتماعية والأمراض النفسية التي قد تدفع به ليكون فريسة سهلة للحركات والمنظمات الارهابية، فيجب تحصين ذلك الجيل بالتربية والثقافة الموسيقية، وأنا هنا لا اقصد موسيقى البارات والملاهي، بل اعني الموسيقى الرزينة والراقية.








alsenan_composer@hotmail.com